الحزب والمجتمع

من جماعة ضغط الى حزب سياسي

منصور حكمت

 

 الجزء الثالث                                                   

 

 النشاط السياسي في جوهره نشاط علني

 امنحوني الفرصة باستنتاج بعض النتائج الشاملة من هذه المقدمات. واول النقاط هي ان النضال من اجل السلطة السياسية هو نضال علني. فالناس بصورتهم الاعتيادية هم علنيون وانهم هم والطبقات الاجتماعية الذين يناضلون من اجل السلطة، ويسعون للامساك بها وعدم التفريط بها، والنضال السياسي في المجتمع يمتلك، بوصفه نضالا بين البشر في المجتمع، آلياته العلنية. وهذا يتزامن مع التكلم، الحديث، الكتابة، الصراخ، رفع الاصوت، جلب الانظار، جمع القوى وتحريكه، المقاومة، التموضع ...... . ان النضال السياسي السري هو امر فرض ويفرض على حركتنا. و قد تعودنا على هذا التقليد المفروض علينا ولم نتعلم اساليب النشاط خارج حدود القمع و كأنه علينا حتما ان نعمل تحت ظروف الاضطهاد والاختفاء . صحيح ان الحزب الشيوعي يجب ان يتمكن من انجاز نشاطه السري وان قسما من النشاط الشيوعي هو نشاط سسري دائما، ولكن علينا ان نعرف ان هدف نشاطنا هو كسرحاجزالاضطهاد الذي يحرمنا من الوصول الى الآليات الاجتماعية للحديث وحشد القوى والصراع على صعيد اجتماعي. نحن نسعى لتحطيم هذا الحاجز لنتمكن من العمل في ظروف علنية وبدون تضيق والبرجوازية لا تسمح لنا بذلك. نحن كنا قد قلنا ان مهمة ثورة 1979 ايجاد الشروط الأولية الديمقراطية للثورة العمالية. ولكن لو توفرت هذه الشروط هل كنا نستطيع الاستفادة منها بشكل صحيح؟ هل يستطيع اليسارالراديكالي الذي يشكل جماعة ضغط  وليبس حزبا سياسيا متوجها نحوالمجتمع ونحو السلطة، التدخل حتى في ظل اوضاع ديمقراطية معينة في مصيرالمجتمع؟ انا لا اعتقد ذلك.

 ان اولىاستنتاجاتي هي ان النشاط السياسي يجب ان يتخذ طابعا علنيا، واسعا وعلى مراى ومسمع الناس وعلينا الاقدام على تحقيق ذلك. وان ذلك الاسلوب التقليدي الذي اتخذه اليساريون، اي الاسلوب الغيبي، الاسلوب الذي يتم من خلاله قذف الاحكام والشعارات والمطالب من خلف الجدران الى الناس كأحكام بيدهية وكأنهم قد خبئوا عقلا او منبعا من الحكمة والدهاء في مكان ما ولا يفشون بسر مكانه للناس ويعلنون اننا نعرف ان التاريخ يسير بهذا الاتجاه وليس بذاك الاتجاه، هو ليس اسلوبا فعالا وشيوعيا ابدا. ليس هذا اسلوب التيارات السياسية الجدية وبالتالي فانكم اذا ما اردتم ان يتبعكم الناس عليكم ان تبينوا وتعلنوا انفسكم لهم. عليكم جعل دعوتكم علنية وجذب الناس نحوكم. وليس بامكانكم انجاز هذا الامر دون اسم وصورة و هوية وملامح سياسية. واذا فهم شخص بان احضار مليوني شخص الى الميدان يتطلب عشرة الاف انسان من ذوي هويات وملامح معروفة بحيث يكون لكل واحد منهم نفوذ بين الناس ومكانة خاصة لديهم، سيفهم ان حزبنا يعرف  50 شخصية شيوعية بالمجتمع  ويعتقد ايضا ان ذلك قليل، لم يتنكر من نظرية الحزب اللينيني ولم يصبح حزب الشخصيات. بل انه يريد القول ببساطة نمتلك القليل من الشخصيات، فامتلاك الشخصيات، امتلاك اشخاص واقعيين، امتلاك قادة وفعالين معروفين، هوالمنهاج الطبيعي والواقعي للاحزاب السياسية التي تريد امتلاك السلطة. ان الفرد يمتلك اهميته في النضال السياسي. فالفرد هو تلك الظاهرة التي تمنح الاتحادات، الاحزاب السياسية، والحركات، ملامحها، ويجعلها ملموسة بالنسبة لجموع الجماهير الواسعة، ويجعلها في متناول الناس. ولو تأملتم اية مؤسسة لا تتأملون فقط ممارساتها وخططها وبرانمجها وفلسفة وجودها، بل انكم ستتأملون ايضا الافراد الذين يشكلون هذه المؤسسة وان هذا هوامر حاسم في تحديد ملموسية و واقعية علاقة المجتمع بتلك المؤسسة. فكل فرد وباي مقدار يكون جزءا من منظمة ومؤسسسة جماعية، سيقوم بدور فرد وسيكون له دوره الخاص في النضال السياسي. ان المنظمة والحركة التي تتجاوز الفرد ولا تاخذه بنظرالاعتبار، شل تأثيرها وأثرها. المنظمة هي دليل الوحدة العميقة بين الافراد. وبالتالي فان المنظمة لا تملك اية حكمة اكثر من اتحاد افرادها. انا ادرك بان طوال تاريخ اي حزب، يأتي اليه افراد ويغادرونه، ولكن اهمية المنظمة تكمن في انها في كل مرحلة توحد وتحقق انسجام افراد معينين وتوحدهم. فتلك المنظمة هي شبكة يرتبط بها الافراد ويربطون بها نضالاتهم، يتقوون بها، ينسقون اعمالهم بشكل مشترك فيها، وتجسد قوى التنظيم خلف فعالية ونشاط الفرد وتحول قوة كل الافراد الى قوة المنظمة. الا ان المنظمة لن تحل محل الفرد في النضال.

بلا شك ان هذا البحث ليس جديدا بالنسبة لنا. فقد تحدثنا بالتفصيل قبل 15 سنة عن مقولة المحرضين الشيوعيين والقادة العمليين للحركة العمالية ودورالفرد والقائد المعروف والمعتمدعليه في الحركة العمالية. فالشيوعية الماركسية، الشيوعية العمالية، هي بهذا الاعتبار حزب الشخصيات. ان تفكيك الهوية الفردية للشيوعيين في تنظيم اداري وعسكري عديم الملامح،  لدرجة تبديل اسمائهم بحروف مختصرة، سلب الهوية من الشيوعيين وتحويل الدعاية والترحيض والشعارات والندءات الى ثمرة ونتاج المكاتب القيادية للمنظمات الغيبية، ليس حصيلة ونتاج حركتنا، وليس خصيصة لها.  والبحث هنا لا يدور حول مسالة ان الحزب لا ينبغي ان يمتلك لجانا، ولا يدور حول مسالة ان الحزب لا ينبغي ان يمتلك قاعدة محكمة سرية تستطيع العمل في مختلف الظروف والاوضاع ، ولا يدور ايضا حول مسالة ان نفس شبكتنا السرية هذه منحتنا امكانية ان نكون هنا الان وصار هذا الانضباط المحكم سندا وظهيرا لعملنا . ان ايا من تلك المسائل لم تكن موضع بحثنا. ولكن هل اخذنا الميدان بالدرجة المطلوبة من يد الاخرين كي يشك الان  شخص في اننا لم نمضي كثيرا صوب تلك الجهة ؟

ينغي ان نمضي المئات الخطوات صوب هذا التوجه. ينبغي ان نمتلك في نفس الابعاد الفعلية عشرات الشخصيات العلينة بحيث لو فكر شخص في ايران بقدرة هذا التيارلاستطاع ان يتجسد امامه بشكل مشخص اية فئة واية فرقة من البشر وباية عقائد وافكار وخلق وخصائص يصلون الى السلطة . ولاستطاع ان يتمنى ويتطلع ان تمسك هذه الفئة من البشر بالسلطة. نحن لحد الان لم نخطو حتى خطوة صحيحة في هذا السبيل. ترى اليست هذه وظائف اشتراكية؟ بالمعنى القديم والفرقوي للكلمة،  وبموجب مستوى الشعور والفهم المقلوب لاولئك الذين يريدون العيش على هامش المجتمع سيكون الجواب نعم هذه ليست وظائف ومهام اشتراكية. ولكن بالنسبة لشخص ماركسي، فان تلك هي مهام الاشتراكية بعينها. بالنسبة لشخص يريد استلاب السلطة من يد البرجوازية، فان ذلك هوالاشتراكية بعينها. ونحن ادركنا هذه الضرورة بشكل دقيق واستنتجناها من شيوعيتنا ومن ماركسيتنا ونعتقد ان ذلك يمثل شرط لتقدمنا في الصراع لتحقيق اهدافنا. فاذا كان من المقررتحطيم الملكية الخاصة ونظام العمل المأجور وتحقيق الاهداف والمطالب التاريخية التي كنا قد اعلناها، علينا ان نبرز امام المجتمع بمثابة جمع كبير من البشر الواقعيين الذين لهم ملامحهم السياسية الخاصة بهم ونعلن نداءنا للمجمتع ولكل الطبقة العاملة. فالوجود في المخابئ وانعدام الملامح والعيش في حاشية المجتمع وعلى هامشه ليس بخصائص الشيوعية. ذلك ما تريده البرجوازية من الشيوعيين.  فقد اوجدت الاجهزة القمعية واقامت اجهزة التزييف والكذب الهائلة كي تفرض كل ذلك بالتحديد على الشيوعية وعلى الصف الشيوعي للطبقة العاملة.  ان رفع القامة بمثابة اناس واقعيين، يمثل بالنسبة لمجموعة من الماركسيين، الاشتراكية بعينها، وهومهمة و وظيفة الاشتراكية ونقطة شروعها وماعدا ذلك ليست باشتراكية.

 

الحزب و الطبقة : العلاقة المحلية والعلاقة الاجتماعية

  ترى ماذا سيكون عمل الحزب مع العمال؟ ان العمل المباشر وحضور الحزب مع الناشطين والمحافل والحلقات العمالية هوبلا شك جزء دائم من عمل اي حزب شيوعي وعلينا ان ننشغل دائما بهذا الامر. ان ذلك هو طراز الفعالية والنشاط بين العمال الذي تحدثنا عنه كثيرا ويفترض ان يكون نشاط اليومي للحزب ايضا، واوجدنا منظمة من اجله. اما النوع الاخر من الفعالية العمالية فهو ان توفر امكانية  اختيار الشيوعية من قبل العمال. ان تقول للعمال: اترون هذا الحزب؟ في هذا الصراع يمكنكم اختيار الشيوعية، الشيوعية العمالية هي قوة فعلية وموجودة.  واذن فالدعوة ليست بين الجبهة القومية وحزب تودة والملكية والاسلام، انه الحزب الشيوعي العمالي ويمكنكم ان تختاروه. فاخيتاركم ليس محدودا وقاصراعلى احزاب الطبقة الحاكمة. انه حزبكم ويمكنكم غدا الذهاب الى قلب طهران، للارتباط به من خلال المكتب المركزي له، ارتبطوا بالحزب وارتبطوا واتحدوا بالعمال الاخرين الذين هم اعضاء في الحزب في محلاتكم ومعاملكم ومدنكم، ويمكنكم تحمل المسؤولية منذ اليوم الاول لارتباطكم. ايها الرفاق، نحن نريد منح الطبقة العاملة حق  اختيار الشيوعية. واذا كنا مختبئين ومتخفين لماذا على العامل ان يختارنا نحن؟ عشرات السنوات والتروتسكيون يأخذون الدولمة الى الاضرابات العمالية ويتعرضون الى الضرب بالهراوات اسوة بالعمال من قبل الحراس، ولكن حين يفكر العامل بمسالة السلطة والدولة في المجتمع، فانه يفكرمجددا بالاشتراكية الديمقراطية. وذلك ان حزب التروتسكي لم يضع نفسه قط في موضع بحيث ان يكون، بوصفه قوة في المجتمع ، قابلة للاختيار والانتخاب من قبل العمال بوصفه وسيلة للتدخل في مسالة السلطة. يجب ان يكون لحزب ما حضور في قلب الساحة السياسية كي يتم اختياره، كي يدرك ان هذا التيار يشرع بعمل قيم ويعرف طريقه، وبامكانه تغيير مواقع القوى. على حزبنا الظهور بدرجة يستطيع العامل فيها اختياره، ولا اقصد باختياره في الانتخابات، بل ان ما اقصده هو ان يقوم العامل بوصفه طبقة معينة اختيار هذا الحزب وان يقول انني اختار هذا الحزب من بين جميع البدائل الموجودة. ان واحدا من الابعاد الدائمة والذي لا يمكن فصله عن نشاطنا وفعاليتنا هو تفعيل وتنشيط علاقتنا وروابطنا العمالية . والبعد الاخر لنشاطنا هو جعل الحزب في تناول الطبقة العاملة في قلب المجتمع وفي الصراع من اجل السلطة بوصفه وسيلة واقعية كي تمسك به بوصفه حزبها لتحديد مصير المجتمع. واذا لم ننجز البعد الثاني نكون قد قصرنا في مهمتنا الشيوعية. فما هي الخطيئة التي ارتكبتها الطبقة العاملة لتظل تواجه الى الابد اشتراكية المجاميع الصغيرة من قبيل الاتحاد والنضال في سبيل الدفاع عن حقوق والعمال المحرومين وتنشغل احزاب طبقات الحاكمة بالتلاعب بمصيرها في معترك الميدان السياسي. ينبغي انهاء هذه الاوضاع وهذا يتطلب من الشيوعيين ازاحة التقاليد الهامشية والفرقية وتقاليد الجماعات الضاغظة جانبا والظهور في قلب الصراع من اجل السلطة في المجتمع.

ان كلمات الشيوعية والاشتراكية لوحدها وبدون اية ايضاحات هي كلمات ذات وقع قوي جدا لدى العمال. ان العامل يجد الاشتراكيين بشكل غريزي وطبيعي في الجدالات الاجتماعية. وهذا هو جزء من تقاليد الطبقة العاملة، اذ ان الاشتراكية هي حصيلة وثمرة الطبقة العاملة. انها تلك الحركة التي حولت الشيوعية الى العالم. ففي اي مكان من العالم، من الأرجنتين الى كوريا، حين يتجمع فيه العمال، فان بامكانكم الاحساس بتناقلهم وقراءتهم للادبيات الماركسية. ينبغي علينا ايجاد حزب شيوعي عمالي يكون حاضرا ومتواجدا في المجتمع، في ساحة الصراع الطبقي حول مقدرات المجتمع، لا ان يكون يوقع اسمه اسفل بلاغات المنظمة في محفل معين. ان تلك هي التحديات التي تواجهنا اليوم. ان الحزب الشيوعي العمالي كحزب عمالي، كحزب تشكل على اساس الصراع والجدال الحاسم بصدد الماركسية واختلاف الشيوعية العمالية عن الشيوعية البرجوازية، قد وصل اليوم لمكانة، بحيث ان سبيل الوحيد لتقدمه هو ادراك وفهم علاقة الحزب والمجتمع وفهم مقولة الآليات الاجتماعية لكسب السلطة، وما اعنيه بكسب السلطة ليس الهجمة الاخيرة على قصر الشتاء وتشكيل الدولة ، بل انما اعنيه تقوية الحزب وتوسيع نفوذه في المجتمع بحيث يكون احد اركان جدال الطبقات حول السلطة، وكي لا يفرض على المجتمع شئ من فوق راسه. لقد شرع هذ المسار في بدءه، ونحن نرى بوادر شروع هذا المسار حيث انكم شهود على تناميه التصاعدي وتقدمه.

ايها الرفاق، ان الانتصار على البرجوازية يجب ان يتم على ارضها. ونحن في مؤتمرنا لن ننتصر على احد، لن نكسب السلطة السياسية في معسكرنا. وبموجب ذلك علينا المضي نحو ارض البرجوازية ونحن نمضي في هذ ا السبيل. علينا اعداد انفسنا للقيام بهذا الدور علينا اعداد انفسنا في كافة الجوانب، سواء كنا محرضين او سياسيين، او قادة عماليين اوانصارا مسلحين، او شعراء او كتاب، قد وصلنا لمكانة بحيث ينبغي ان ناخذ على عاتقنا ادوارا مؤثرة على صعيد اجتماعي، وان نرفع قامتنا ونتحدث بمثابة شخصيات حية للحركة الاشتراكية والشيوعية العمالية في بلد معين، وان نتحدث للمجتمع باكمله.

 

  ترجمة : يوسف محمد  وسلام عزيز