البرجوازية وآفاق ثورتها المضادة !

 

عصام شكـــــري

ishukri@gmail.com

 

وضع نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية "مقلق" للبرجوازية. فالبرلمان الذي يمثل "الشعب"  اصبح نداً محترما له.

 

لقد ادعى رئيس الوزراء وكجواب على طلب استجوابه في البرلمان، سحب الشرعية من البرلمان نفسه و"تجييك" ثقة الشعب به من خلال اجراء انتخابات تشريعية مبكرة.  هكذا اللعب الديمقراطي !. تريدون ”زحلقتي“، حسنا ساقوم بنفس الشئ واشكك بشرعيتكم كلكم ايها الامعات!

 

ذلك ما يعتقده نوري المالكي طبعا.

 

ولكن الجبهة المعارضة لنوري المالكي لا تلقى الدعم من الشعب. ليست هذه الجبهة هي الوحيدة ”المحظوطة“ بعدم ثقة الجماهير والعمال والكادحين والنساء. فلا احد من هؤلاء يتلقى دعم اي فئة اجتماعية هذه الايام . فالشعب يتمنى لو انه قادر على الاطاحة بهم كلهم بضربة ”رجل واحد“ لو استطاع.

 

الا ان هذه الجبهة المعارضة تستلم ذبذات الرادار الذي يمسح الاجواء السياسية للمنطقة وخاصة اجواء الجمهورية الاسلامية وحليفها الدكتاتور الوحشي بشار الاسد.

 

جبهة ”العراقية“ تستمد العزم والشجاعة من هذه الذبذات، لادامة ”صمودها“ بوجه حلفاء الجمهورية الاسلامية في العراق. على رأس هؤلاء نوري المالكي الحليف السياسي المطيع لعلي الخامنئي.

 

من جهتها، فان جمهورية الله وحفنة ملاليها الحاكمين بالحديد والنار وحبال المشانق لم تمل بعد من ترداد الاسطوانة المشروخة للامام. فمازالت المقاومة للمشروع الصهيوني الامبريالي (ومعهم حفنة من الجيفاريين العرب- اعداء الامبريالية الورقيين)، هي النغمة المهمينة على خطاب الاسلام السياسي الشيعي ممثلا بجمهورية الله وحليفها الاسد في سوريا وحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين (ب“حماس“ اقل هذه الايام بعد ان سال لعابهم على اموال الاخوان والسلفيين والمخابرات الامريكية). ولكن هذا الاصرار على ادامة عزف الاسطوانة المشروخة (المشروع الصهيوني الامبريالي) بات ظاهرة مرضية اكثر منها خطاب ايديولوجي للخداع وغسل ادمغة الطبقة العاملة. فالاسلام السياسي اليوم بامس الحاجة الى هذه الكليشه رغم انها اليوم تتعرض للهجوم والسخرية من قبل الجماهير الثائرة ضد سياسات هؤلاء وايديولوجياتهم. لذا فاننا تلاحظ ان اجنحة ”ألمشروع الامبريالي الصهيوني" اليوم يصرخون باعلى اصواتهم "مؤامرة !!" وقصدهم الثورات التي تنشب في المنطقة العربية والشرق الاوسط وخاصة في سوريا. وكما الاعلام السوري فانهم يلمحون الى ان الشعب يقوم بهذه الاحتجاجات بوحي من المخابرات الامريكية والموساد لضرب الانظمة الوطنية المناهضة للعدو الصهيوني الامبريالية الخ .

 

البرجوازية التركية والسعودية لا تريان نفس الصورة لاسباب سنأتي على ذكرها لاحقا. انهما يلعبان دورا اخر. فهما حريصان على الالتصاق بالانتفاضات الجماهيرية وكسب ودها بل وادعاء تمثيلها وحقانيتها. لماذا ؟ لكي يتم خلق المناخ السياسي لصعود البرجوازية الاسلامية الموالية للغرب وامريكا كبديل عن القوميين العرب الذين تم تصفية فلولهم في مصر وتونس وليبيا وربما غدا في مناطق اخرى. وبالطبع لمناهضة قوى الاسلام السياسي الموالية لجمهورية الله الدموية.

 

ان الطبقة البرجوازية تدافع عن مصالحها اينما كانت، ليس وفق اعتبارات ايديولوجية او اقليمية، بل براكماتية عملية صرف. ان الطبقة البرجوازية تمثل مصالح النظام الرأسمالي وان الدفاع عن هذا النظام هو اولوية لا ثاني لها. البرجوازية لا تحب الاهتزازات غير المحسوبة وهي سريعة القلق والخوف من الغليان الشعبي وان  كلمة ”ثورة“ يجب ان تجهض.

 

موقف البرجوازية الغربية ممثلة بحكومات امريكا والاتحاد الاوربي ومعها حلفاءها الاسلاميين السنة تركيا والسعودية من الثورات واضح ؛ انهم يريدون الانقلاب عليها لصالح برجوازية معارضة للقوميين العرب. ليس لانهم منظمين اكثر او لديهم شعبية اكبر (خرافات واكاذيب الانتخابات)، بل لانهم خير ممثل لمصالح النظام الرأسمالي في المنطقة ولانهم بالذات موالين للغرب ولا يرفعون السلاح بوجهه ولا بوجه اسرائيل. لا الثورة ولا مطالب الشعب ولا الجوع ولا الفقر ولا انعدام الحريات ولا مساواة النساء ولا حقوق العمال ولا انهاء البؤس في اجندتهم. انهم يخافون على الرأسمالية.

 

صعود الاسلاميين الى السلطة في مصر وتونس وليبيا اذن ليس جزء من صيرورة الثورات الجماهيرية هناك بل جزء من الحركة البرجوازية المعادية للثورة. لقد قامت الجماهير بثورات كبرى واسقطت عروشا ما كان لاحد ان يتخيل اسقاطها، ملايين من الجماهير؛ كادحين وعمال وطلبة ونساء وراديكاليين واشتراكيين مطالبين بالمطالب الانسانية، لا المطالب القومية ولا ضد الاستعمار والصهيونية ولا وحدة الوطن العربي ولا نصرة ”الله“ والاسلام، بل مطالب لحرية والمساواة والانسانية والتمدن والعيش بكرامة وتآلف قائم على المواطنة.

 

لقد تم الشروع فورا وفي اللحطات الاولى لحصار بن علي في القصر الرئاسي والاعتصامات الهائلة في ساحة التحرير بالقاهرة بالتخطيط لجلب الاسلاميين للسلطة من اجل القيام بثورة مضادة تجهض الثورة ، ثورة العمال والكادحين، ثورة الشباب الناقم على الاوضاع، ثورة النساء المتعطشات للحرية، ثورة العلمانيين الناقمين على القمع وكم الافواه، ثورة كل انسان حر يريد ان يحرك هذه المياه الاسنة.

 

قامت البرجوازية بثورتها المضادة من خلال الاخوان المسلمين والسلفيين وحزب النهضة وبمعونة وتوجيه المخابرات الامريكية والمملكة السعودية وحكومة اردوغان في تركيا وعن طريق ضخ المليارات من الدولارات عليهم لقمع انتفاضة عمالية طلابية مجيدة مازالت كامنة في الصدور وتزمجر طالة برأسها بين الحين والاخر في ساحات التحرير بكل مكان.  انتخابات رئاسة الجمهورية في مصر اذن هو جزء من ثورة البرجوازية المضادة لخنق ثورة الجماهير الكادحة، ثورة العمال من اجل الحرية ولقمة العيش وانهاء الاستبداد. انها ثورتهم المضادة لابقاء النظام. كما هو. ولكن الى متى تستمر هذه الثورة المضادة؟!.

 

ان ثورات جماهير مصر وتونس لم ترفع اي شعارات اسلامية والاخوان والسلفيين كانوا واقفين على السياج في اغلب الاحيان. وكل من تصدر الاخبار كبطل للثورة لم يكن اخوانيا ولا سلفيا. كان هؤلاء يراقبون. كانت الثورة

 تحررية وانسانية بامتياز وانها تمثل مصالح العمال والشباب والنساء المحرومات.  الامر نفسه ينطبق على تونس وان بدرجة اقل من الاهتمام والتدخل و“الدراما“ الدولية. ولكن هل تنقذ الثورة المضادة البرجوازية من الثورة ؟. لنستعرض النقطتين التاليتين فهما يستطيعان الجواب:

 

1) ليس لدى قوى الثورة البرجوازية المضادة اليوم القدرة على استخدام البطش والقمع السافر كما كان الحال في السابق. لا نقصد انهم ليسوا راغبين او لديهم روادع اخلاقية او ”احساس ثوري“  بل لان امكانيتهم على القمع اليوم تراجعت جدا. فحركة الجماهير اليوم اكثر تحررا من القيود والجماهير ذاقت طعم قدرتها على تغيير الواقع بايديها. اول احتجاج سيتم قمعه بقوات البوليس سيكون شرارة جديدة . لقد اجبرت الثورة على محاكمة رموز النظام وجرمتهم على شاشات التلفزيون واصبح ممثلي القمع والبطش حسني مبارك وابناءه الجبابرة سجناء اذلاء يتعرضون لسخرية العامل المصري ونكاته اللاذعة.

2) ليس لقوى الثورة المضادة البرجوازية اليوم اي قدرة على تحقيق اي مطلب للثورة. ولو 1% . ليس لديهم اي برنامج، لا اقتصادي، ولا اجتماعي، ولا سياسي، ولا تحرري، ليس لديهم شئ للعمال، لمحاربة الفقر، والبطالة، توفير الاستشفاء، لمساواة المرأة، لحق التعبير، للتظاهر والتجمع والتنظيم، للجواب على التطور الثقافي والمعرفي للجماهير، وهكذا، قائمة طويلة عريضة ليسوا قادرين على انجاز سطر واحد منها. لماذا ؟ لانهم ممثلين للنظام الرأسمالي. النظام الرأسمالي نفسه عاجز عن اي حلول وملبد الافاق في كل مكان. هل سيعقل ان يجد السيد محمد مرسي حلولا لعمال مصر وكادحيها اكثر رجاحة من ساركوزي او ميركل او اوباما ؟!  افاق الثورة المضادة ملبدة بغيوم داكنة . ولنرجع للعراق.

 

هل ينجح نوري المالكي، في ظل هذه الاوضاع، مع خصومه الاسلاميين السنة في بناء دولتهم التي ستعيد انتاج القمع دون مشاكل، ام سيزيدوا الاستقطابية الطائفية والتمزق السني—الشيعي؟ هل يستطيعوا الخروج من هذا النفق المظلم الذي حشروا الملايين من الجماهير فيه معهم ؟

 

جواب ذلك مرتبط بمسألتين:  الاولى؛ اسقاط نظام بشار الاسد في سوريا بالثورة السورية وقدرة ثوار سوريا، عمالها وكادحيها وعلمانييها ونساءهاعلى فصل خطوطهم عن الاسلاميين والاخوان وترتيبات امريكا والغرب ، والمسألة الثانية تتعلق باستمرار ثورة جماهير ايران، مصر، تونس، المغرب، الجزائر، الخليج العربي، السعودية، وكل مكان يخضع فيه الملايين من العمال للقمع والظلم والاستغلال.  وفي جميع الاحوال فان ثورة البرجوازية المضادة ليس لديها شروط الانتصار. فلا يمكن الا حل التناقض. فقط قوى الثورة قادرة على حل هذا التناقض بحل يلغي شروط المجتمع الحالي.